لأننا نحترم عقولكم
بوليتيكو تونس
ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي تم اعتماده والتوقيع عليه من قبل الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966 ودخل حيز النفاذ في 3 جانفي 1967 على أن لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، ولها حرية التصرف في ثرواتها ومواردها الطبيعية. كما ينص العهد على أن تتعهد كل دولة طرف باحترام الحقوق المعترف بها فيه لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها دون أي تمييز جنسي أو غيره.
ومن بين الحقوق التي نص عليها العهد الحق في العمل وفي التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية والحق في الإضراب والحق النقابي والحق في حماية الأسرة والحق في التعليم وفي الصحة.
ويمكن تصنيف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لتشمل ما يلي:
كان من المفترض أن تكون تونس حريصة على تنفيذ بنود هذا العهد لا من منطلق حرصها على تطبيق القوانين الدولية التي تعني بحقوق الانسان فقط، وإنما كذلك من منطلق توفير الحقوق الأساسية لعيش المواطنين التونسيين من الاكتفاء الغذائي والسكن اللائق والمساواة في التعليم بين جميع أفراد المجتمع مهما كانت طبقتهم الاجتماعية أو جهتهم الجغرافية.
هذا بالإضافة لتوفير الخدمات الصحية الضرورية حتى لا يضطر المواطنين وخصوصا الفئات الاجتماعية غير القادرة على توفير العلاج في القطاع الخاص أن يخوضوا معركة اقتصادية على مختلف الوجهات من أجل توفير خدمة صحية هي حق أساسي من حقوقهم حسب بنود الدستور والقانون التونسي.
وتنص مقررات منظمة الأمم المتحدة أن على الدول أن تحقّق الإعمال الكامل التدريجي لهذه الحقوق على مدى فترة من الزمن. وعليه، بغض النظر عن مدى توفّر الموارد، الالتزام فورًا باتخاذ الخطوات المناسبة كي تضمن التحسين المستمر والمستدام في التمتع بهذه الحقوق مع مرور الوقت.
هذا الحرص المفترض على تنفيذ نصوص العهد الدولي في هذا المجال من منطلق الحرص على أن يحصل جميع المواطنين على حقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية متساوية مهما كانت وضعيتهم وخلفيتهم الاقتصادية والاجتماعية لم يكن قائما دائما ومفعلا على أرض الواقع.
وعلى الرغم المساعي التي قامت بها الدولة الوطنية الحديثة ما بعد الاستقلال من أجل توفير خدمات صحية وتعليمية لائقة ومجانية وتوفير النقل والسكن لفئات اجتماعية غير قادرة على توفيره من خلال مشاريع السكن الاجتماعي إلا أن التوجه نحو الخوصصة والليبرالية الاقتصادية في الثمانينات من خلال برامج الإصلاح الهيكلي عدلت في مسار تمتع التونسيين بهذه الحقوق وجعلتها تأخذ مسارا جديدا بسرعات مختلفة وجودة مختلفة حيث أصبحت الخدمات الصحية والتعليم المقدم من الخواص ينافس الخدمات الصحية في القطاع العام ويتفوق عليها في العديد من المواقع.
وتعمقت الأزمة بتدجين النقابات المهنية أو وضع اليد عليها من قبل السلطة السياسية خلال الثمانينات والتسعينات والعشرية الأولى من الألفية الثالثة حتى تكبح جماح احتجاجاتها ضد سياسات الخوصصة والتفريط في المرافق العمومية لصالح الخواص. وهو ما هدد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية خاصة بالنسبة للفئات الاجتماعية الفقيرة والمسحوقة والغير قادرة على توفير تكاليف هذه الخدمات لدى الخواص.
بعد الثورة، تحققت مكاسب جزئية لصالح هذه المنظومة الحقوقية خاصة في مجال التشغيل وإيجاد حلول للبطالة اثر تحركات اجتماعية واحتجاجات في عدة مناطق من الجمهورية ، بالإضافة لتحسين جزئي في ظروف العمل، إلا انها عرفت انتكاسة بسبب تحالف النخب السياسية التي جاءت للحكم بعد الثورة مع النخب المالية والتكنوقراطية.
المطلوب اليوم هو الحرص على ألا تصل النخب السياسية التي لا تكترث للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للتونسيين للسلطة مرة أخرى، ودعم القوى السياسية والاجتماعية التي تأخذ بعين الاعتبار هذه المسألة في برامجها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
[custom-related-posts]